(نُشِرَت المقالة الأصليَّة على www.religionnews.com بتاريخ 6 نوفمبر 2018)
قبل أسبوعين، حكمَت المحكمة الأوروبيَّة لحقوق الإنسان بأنَّ الحقَّ في حريَّة التعبير لا يشمل انتقاد النبيِّ محمَّد.
يُعتَبَر القرار مُقلِقًا للأكاديميِّين والباحثين بشكل عامٍّ، وعلماء المسلمين بشكل خاصٍّ، أولئك الذين تتمثَّل مهمَّتهم في التفكير والتحدُّث والكتابة بجديَّة عن حياة رسول الإسلام.
أنا لست بصدد التشكيك هنا في نزاهة قرار المحكمة، الذي أيَّد إدانة امرأة من فيينا في عام 2011 في محكمة نمساويَّة بتهمة وصف «نبي الإسلام بالمُولَع جنسيًّا بالأطفال» قبل عامين في ندوة روَّجَت لها بعنوان «معلومات أساسيَّة عن الإسلام». مُستشهِدةً بزواج محمَّد من فتاة تبلغ من العمر 6 سنوات، فإنَّ المرأة، التي تم تعريفها في المحكمة فقط باسم «إ. س.»، سألت جمهورها: «ماذا ينبغي أن نُطلِق على هذا الأمر إذًا، إذا لم يكن وَلَعًا جنسيًّا بالأطفال؟»
ذكرت المحكمة النمساويَّة أنَّها «حقَّقت توازنًا دقيقًا بين حقِّ [هذه المرأة] في حريَّة التعبير وحقِّ الآخرين في حماية مشاعرهم الدينيَّة».
إنَّه لطالما كان جزءًا من سيرة محمَّد أنَّه تزوَّج زوجته عائشة عندما كان عمرها 6 سنوات (أو7، في روايات أخرى)، ووفقًا لأكثر المسلمين الثقاة، فقد تمَّم الزواج عندما كانت في التاسعة من عمرها وكان هو عمره حوالي 53 عامًا.
لقد نَشَأتُ مسيحيًّا قبطيًّا في مصر، وكنت دائمًا أتعلَّم أن أحرص على عدم إهانة محمَّد، واحترام جيراني المسلمين وما يعتبرونه أكثر مقدَّساتهم أهميَّة. وأنا اليوم أعمل أستاذًا للدراسات الإسلاميَّة في كليَّة اللاهوت المعمدانيَّة الجنوبيَّة وأُدرِّس تسع موادٍّ مختلفة عن الإسلام كلَّ عامٍّ. في كلٍّ منها، أحثُّ طلاَّبي على تجنُّب تحقير محمَّد أو إهانته أو التقليل من شأنه. وأحذِّرهم على وجه التحديد بخصوص قصَّة زواجه من عائشة. باختصارٍ، أعتقد أنَّنا يجب أن نتمتَّع بالحساسية تجاه مشاعر المؤمنين في كلِّ ديانة.
ومع ذلك فأنا مقتنع أنَّ الحكم الذي صدر الشهر الماضي يضرُّ الإسلام أكثر ممَّا يفيده.
فإسكات المفكرين سيظلُّ خطأ فادحًا على الدوام. إذ يقوم العلماء بدراسة النصوص وتقييمها. وللقيام بذلك، نحتاج إلى حريَّة التشكيك في صحَّتها وموثوقيَّتها ومبادئها. وقرار المحكمة يخنق التحقيق العلميَّ بهذه الطريقة.
يأتي الحكم أيضًا في عصر داعش وبوكو حرام، وفي وقتٍ تمَّ فيه إثناء العديد من الأكاديميِّين بالفعل عن تقييم النصوص الإسلاميَّة بشكلٍّ نقديٍّ، ليس فقط بسبب التهديد بالانتقام، ولكن أيضًا لتجنُّب المزيد من إلحاق الضرر بالصورة العامَّة للإسلام. غير أنَّ آخر ما يحتاجه الإسلام في هذا الوقت هو علماء غير ناقدين. إنَّ أحكام المحكمة النمساويَّة لا تُزيد الأمر إلاَّ سوءًا.
لكنَّ المسلمين -العلماء وغيرهم- يجب أن يكونوا غير مرتاحين لقرار المحكمة النمساويَّة. إذ سيكون الأمر مختلفًا إذا تمَّ منح الديانات الأخرى نفس الحقِّ في تلك المجاملة. لكن لا يوجد مكان في العالم، ولا سيما في أوروبا العلمانيَّة، يمكن فيه إدانة متحدِّثٍ ما بتهمة التشكيك في سلوك موسى أو تقييم أعمال بوذا أو انتقاد يسوع وحياته وتعاليمه. هل يريد المسلمون تمييزهم عن غيرهم في الأوساط الأكاديميَّة والحياة العامَّة؟
قد يؤدِّي القيام بذلك في الواقع إلى زيادة الشكوك حول الإسلام. إنَّ وضع هالة خاصَّة حول الإسلام، والادِّعاء بأنَّه لا يمكن المساس به، لن يشير إلاَّ إلى أنَّ الإسلام دين غير قابل للتصديق. ففي القرن الحادي والعشرين، يُعتَبَر كلُّ شيء كفؤًا للنقد والتساؤل. ووضع قضيَّتك خارج حدود النقد هو بمثابةِ سلبٍ لشرعيَّتها.
بدلاً من حظر الكلام الذي ينتقد محمَّد، يجب على المسلمين مواجهة الحجج بالحجج وإسكات الادِّعاءات بالادِّعاءات المُضادَّة. إنَّ الدعوة إلى حريَّة التعبير والتفكير النقديِّ، لا محاربتهما، هو ما يعطي المسلمين أكبر فرصة للدفاع عن الإسلام.
فبلا انتقاد، تصبح بحثيَّاتنا الأكاديميَّة هشَّة. لقد رأيت مسلمين متعلِّمين يقومون بمحاولات جادَّة لإعادة تفسير قصَّة عائشة، أحيانًا بالقول إنَّها في الواقع تبلغ من العمر 18 عامًا، أو أنَّ هذه القصَّة لم تحدث أبدًا. لقد رأيت رجال دين مسلمين يدافعون عن محمَّد من خلال الزعم أنَّه نظرًا لأنَّ العرب يصلون إلى سن البلوغ بشكل أسرع، فإنَّ عائشة كانت في الواقع سيدة شابَّة بالغة في ذلك العمر.
ربَّما أدَّى قرار المحكمة الأوروبيَّة لحقوق الإنسان إلى الحفاظ على السلام الدينيِّ لفترة، لكنَّ هذا لن يستمر. فقد أصبحت النصوص الإسلاميَّة المقدَّسة متاحة على نطاق واسع ويتمُّ ترجمتها إلى الإنجليزيَّة بشكل ضخم وبالجُملة. لذا، سيأتي المزيد من الحجج. وإسكاتها لن يؤدي إلاَّ إلى الإضرار بصورة محمَّد على المدى الطويل.